Take a fresh look at your lifestyle.

المهاتما غاندي … مواجهة الشـر ومكافحة القوة

41

قصة المهاتما غاندي في مواجهة الشـر ومكافحة القوة

عند غروب شمس يوم 30 يناير عام ١٩٤٨ كان هناك رجل عجوز ضئيل الجسم يعبر حوش منزله آخذا طريقه إلى المعبد لأداء الصلاة وفجأة سمع دوي أربع طلقات نارية سقط الرجل على إثرها على الأرض وجـاء نعي الرجـل مـن خـلال الإذاعـة إلى شعب الهند «لقد انطفأ النور من حياتنا وحل الظلام في كل مكان».

من هذا المهاتما ومتى ظهر نوره؟

أما المهاتما فهو لقب من شاعر الهند الشهير «طاغور» مـنح إليـه ومعناه: «الـروح الكبير» أو عظيم النفس أو الروح.

  • ولد هذا الرجل عام 1869 لأب وجد يشغلون وظائف كبيرة في إحدى ولايات الهند أما الوالد فكان رجلاً مهذبا وشجاعا وغرف بحسن أدائه لعمله وسمعته.

وأما الولد فكان أسمه: «موهانداس غاندي» محب لوالديه حبا جما ولكن لم يكن من السهل عليه أن يعقد صداقات مع قرنائه من زملاء المدرسة فأصدقاؤه الوحيدون هم كتبه ودروسه وكان يجري منطلقا إلى بيته فور انتهـاء الـدروس خوفـا مـن أن يكلمـه أحـد أو يسخر منه أحد، كان طفلاً معروفا بالصدق والأمانة.

  • في سن الثامنة عشر ذهب إلى إنجلترا ليدرس القانون ويصبح محاميا وبدأت قراءاته الحرة في الأديان وأجاد شرح كتاب «الجيتا» وهو الكتاب المقدس في العقيدة الهندوسية التي يلتزم بتعاليمها وقرأ الإنجيل وتعرف على محمـد رسـول اللہ ﷺ مـن كـتـاب لمؤلف إنجليزي وأعجب كثيرا بعظمة وشجاعة وأسلوب حياة الرسول البسيط.

ومن خلال قراءاته ودراساته تبين له أن الحقيقية التي يحبها لا توجد كلها في ديانة أو عقيدة واحدة، وعاد إلى الهند بعد (4) سنوات وعندما بدأ العمل كمحـام كـاد أن يغمى عليه فعندما بدأت المرافعة لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة فهو خجول جدا جدا ويخاف من الناس وهنا قرر التغيير فلا مناص من التغيير.

وسنحت الفرصة عندما ذهب إلى جنوب أفريقيا ليكون وكيلاً لمواطن مسلم في قضية هناك غامر وسافر فرأى عجبا ولقي نصبا: سبابا وإهانات شخصية وتفرقة عنصرية.

  • في المحكمة: واضعا فـوق رأسـه عمامـة هندية ويرتدي ملابس أجنبيـة فـأمره القاضي أن يخلع تلك العمامة ورفض غاندي أن يخلع عمامته واضطر إلى مغادرة المحكمة.
  • عند السفر: لمدينة أخرى لإنهاء بعض أعمال موكله حجز تذكرة بالدرجة الأولى في قطار السكك الحديدية المسافر إلى تلك المدينة، وفي القطار اسـتاء أحـد الرجـال البيض من وجود غاندي بعربة الدرجة الأولى المخصصة للبيض وحـدهم، فقام الرجـل الأبيض باستدعاء عامل القطار الذي طلب من غاندي مغادرة العربة فورا، ولكن غاندي أجاب بأنه قد اشترى تذكرة بالدرجة الأولى ومن حقه أن يركب بعربة الدرجة الأولى بناء على ذلك وعندئذ تدخل أحد رجال الشرطة وأجبره بالقوة على مغادرة القطار.
  • في اليوم التالي حدث الأسوأ : عندما أراد أن يركب إحـدى عـربـات السـفر الـتي تجرها الخيول رفض البيض ركوبه بداخل العربة وأجبروه على الجلوس بخارجهـا جـوار السائق ومع ذلك رفض حارس العربة أن يجلس غانـدي في هذا المكـان واعتـدى عليـه بالضرب وكاد أن يقضي عليه.
  • في الفندق : تقدم ليحجز غرفة يقيم بها إلا أنه تلقى صدمة شديدة حين رفـض موظفو الفندق إعطاءه الحجرة بل قاموا بطرده من الفندق فورا.

وهكذا عاش مع الفقراء الهنود في جنوب أفريقيا وسافر في عربات الدرجة الثالثة وأحس بالمرارة والألم خاصة حين يرى قومه وأهل وطنه يعاملون هذه المعاملة المهينة.

وبعد فترة من الوقت أدرك غاندي أنه من الأفضل بالنسبة لموكلـه الهنـدي وخضـمه الهندي أيضا أن يتفقا فيما بينهما ويصفيا مشاكلهما بطريقة ودية ودون اللجوء إلى المحاكم وبذل جهدا استمر شهورا ونجح في مساعيه وكان هذا النجاح سببا في اقتناع غانـدي بـان معظم المشاكل التي تنشأ بين الناس يمكن لوسطاء الخير أن يحلوها بسلام وبطريقة ودية.

مكث سنوات في جنوب أفريقيـا وعـاد للهنـد في أجـازة حـاول خلالها أن يشـرح للشعب الهندي مدى الإهانات والمعاملة السيئة التي يعانيهـا الهنود في جنوب أفريقيا

ووصلت أخباره إلى المستوطنين البيض في جنوب أفريقيا وعند عودته أكرموه غاية الكرم عند نزلوه من السفينة! حيث ضرب بالحجارة والبيض ضربا مبرحا ولم ييأس بل واصـل كفاحه لمساعدة الهنود وتحسين أحوالهم وحث الحكومة على معاملتهم بعدالة ورفض أن يشغل وظيفة تدر عليه أموالاً طائلة وذلك من أجل مساعدة الفقراء والبؤساء الذين نذر حياته من أجلهم.

كانت فلسفة غاندي من خلال كفاحه في جنوب أفريقيا تتلخص :

  • داخل كل إنسان قوة روحية كامنة، تلك القوة تمكن الإنسان من مواجهـة الشـر ومكافحة القـوة ولكـن لـيس بـالبغض ولا بالكراهية واستعمال العنف وإنما بالحـب وبالهـدوء وبرفض إطاعـة الأوامـر والقـوانين الجائرة مـع تحمـل عقـوبـة هـذا الـرفض والعصيان.
  • كل من يعتنق مبادئ وفلسفة غاندي عليه أن يمتنع تماما عن العمل مع الحكومة وأن يمتنع أيضا عن طاعة أي قانون ظالم.

وسجن غاندي ثلاث مرات بين عامي ۱۹۰۸، ۱۹۰۹ وفي المرة الثالثـة أضيف إلى السجن الأشغال الشاقة.

  • عاد إلى الهند عام 1915 فاستقبل استقبال الأبطال وبـدأ الكفـاح حيث ممارسة العصيان السلبي أي: اللاعنف، وكان له أيضا الاعتقال والسجن وقدم للمحاكمة ليصدر عليه حكم بالسجن ست سنوات وساءت صحته في السجن وخشيت سلطة الاحتلال البريطانية الحاكمة أن تتدهور حالته فينفجر أتباعه الهنود- وقـد أصبحوا الآن ملايين فأطلقوا سراحه بعد أربع سنوات تعلم منها غاندي الكثير حيث الأفكار العملية المنظمة للمستقبل فكان مشروع «البرنامج البنائي» أي: المنهج الإيجابي وفي مضمونه «الخدار، أي المغزل البيتي بمعنى أن يغزل كل فرد (أو كل أسـرة) مـن القطـن خيـوط مـا يحتاجـه مـن ملابس وينسجها على نول بسيط صغير في البيت وبما أن الهنـد بـلاد حـارة فلا حاجة للمواطن المجاهد- وليكن الشعب كله هكذا- إلى ملابس كثيرة ولا ثقيلة وضرب هو المثل بأن تخلى عن كل ملابسه وزيه التقليدي أو الغزلي واكتفى بقطعـة مـن القمـاش الأبيض غزل خيوطها ونسجها بنفسه فكانت البساطة في العيش هـذا مـن ناحيـة ولـكـن الهدف الأكبر والأعظم هو ضرب المستعمر – عمليـا وبـلا عـنـف- في اقتصـاده وثروته فانجلترا تزود الهند بالأقمشة والملابس المصنعة وجزء كبير من العمالة الإنجليزية تعتمد في معيشتها على الاستهلاك الهندي.

ومع الوقت بدأ الشعب الهندي يدرك تعاليم غاندي التي تدعو إلى مكافحـة القـوة بالحب بدلاً من مكافحة القوة بالقوة، وفي عام 1930 وقعت «مسيرة الملح»، فالحكومة أصدرت قانونا يمنع الناس من صناعة الملح من ماء البحر؛ وذلك لإجبار الناس على شراء الملح من الحكومة، واعتبر غاندي هذا القانون ظالما وجائرا ويجب على الهنود أن يرفضوه، وأعلن للشعب أنه سيقود مسيرة من أتباعه متجها نحو البحـر الـذي يبعـد نحو مائتي ميل، نعم مائتي ميل وهناك سيعلن رفضه لهذا القانون، ويصنع بنفسه ملحا من مـاء البحر.

وعلى مدى ثلاثة أسابيع متصلة، وعلى مسمع من جميع أنحاء العالم الذي كـان يتتـع أنباء هذه المسيرة أولاً بأول، وبينما كانت الاضطرابات تشتعل في معظم أنحاء الهند واصل غاندي مسيرته بثبات وليس على جسمه الضئيل سوى الثوب القطني الأبيض الذي غزل خيوطه ونسجها بيديه، وعلى طول الطريق كانت جماهير الهند تخرج من قراها للانضمام إلى تلك المسيرة حتى وصلوا جميعا إلى شاطئ البحر، وهناك صنع غاندي بنفسه حفنة من الملح رمزا لمخالفة القانون الجائر وأعلن أن الله قد وهب البحر للناس ولا يمكن لحكومة من البشر أن تحول بين الناس وخير البحر.

وبطبيعة الحال تحمل عقوبة هذا العصيان وسجنته الحكومة لمخالفتـه قـانون البحـر وسجن في هذا الأمر ستون ألف هندي.

لم ييأس، لم يتخل عن فلسفته في التعامل مع المستعمر والحياة فهي فلسفة حياة قائمة على:

  • أن يقول الناس الصدق دائما.
  • ألا يحاربوا أو يكرهوا الناس الآخرين.
  • ألا يأكلوا إلا القدر الضروري من الطعام الذي يكفي للمحافظة على صحتهم.
  • ألا يمتلكوا شيئا لا ضرورة له.

وكان الاستقلال والحرية، وكان من المفروض أن يكون الرجل سعيدا بعد كـل هـذه السنين من الكفاح والنضال، ولكن كان على العكس فغاندي كـان يشعر بالألم بسبب الخلافات والاضطرابات التي نشبت بين المسلمين والهندوس، والتي كانت سببا في تقسيم الهند إلى دولتين: الهند للهندوس وباكستان للمسلمين، وشب القتال وقتل المئات وتشـرد مئات الألوف، وهنا قرر غاندي الصيام والإضراب عن الطعام حتى يتوقف الصـراع ولأن غاندي محبوب ومحترم من الجميع توقف الصراع بالفعل – في يوم ما- وقـد خـرج من بيته ماشيا وببطء، ووسط جمهور حافل اجتمع لمشاهدته وللاشتراك معـه في صلاته بالمعبد اندفع شاب هندوسي من بين الناس وأطلق الرصاص على غانـدي ظنـا منـه أنـه يقف إلى جانب المسلمين أكثر من وقوفه إلى جانب الهندوس.

وأعلن أنه: مات.
انطفأ النور من حياتنا، حل الظلام في كل مكان.
لقد رحل الأب الروحي لأمتنا.
إن خير صلاة نقدمها لروحه هي أن نتمسك بأهداب الصـدق وأن نواصـل رسـالته كلمات قالها الزعيم الهندي «نهرو».

كان غاندي:

رجل يعتمد على قوة الروح، والإرادة الثابتة والصوم الكثير والبساطة الشديدة في المظهر والمعيشة والمطالبة بالحق بلا شطط أو عنف.

رجل كان يقول :

  • «إنني ضد العنف لأنه قد يبدو حينا مفيدا لكنها فائدة وقتية سريعا مـا تـزول ولا يبقى منه إلا الشر والشيطان».
  • «الوسائل لا تنفصل عن الغايات إذا استخدمت وسائل العنف ساءت حتما النتائج».
  • «العنف غطاء العجز».
  • «الثورة السلمية (اللاعنف) ليست منهاجا للاستيلاء على السلطة، إنهـا منهـاج لتغيير العلاقات إلى الأفضل، يفضي إلى انتقال سلمي للسلطة».
  • «ليس من عدم العنف اقتصارنا على حب من يحبنا، إن عدم العنف هـو أن نحـب من يكرهنا .

رجل من مواقفه:

عندما كان يجري مسرعا ليلحق بالقطار الذي بدأ يتحرك، وعندما هـم بالصعود إلى القطار سقطت منه إحدى فردتي حذائه.

فكر غاندي وفي ثانية واحدة أخذ قراره وخلع الأخرى ورماها بالقرب مـن أختهـا وسئل عن ذلك فأجاب: حتى يجد الفقير زوج الأحذية معا.

Comments are closed.