Take a fresh look at your lifestyle.

الملك عبد العزيز آل سعود نجدة من نجد … ومن الثورة إلى الدولة

39

من الثورة إلى الدولة .. الملك عبد العزيز آل سعود

ولد في فترة حرجة من تاريخ البيت السعودي بلغ فيها التنافر والصـراع مـداه بـين الأبناء والأشقاء حتى تمكن منهم خصومهم، حاول والده جمع شمل آل سعود وتوحيـد كلمتهم إلا أنه اصطدم بعناد الإخوة وتمردهم وتحولهم إلى ورقة في أيـدي منافسي آل سعود فضاعت جهوده المخلصة هباء ووجد نفسه خارجـا هـو وأهـلـه بعيـدا عـن مقـر نشأتهم وبلادهم، ولم يمكث الفتى عبد العزيز في أرض أجداده وآبائه سوى إحدى عشرة سنة فقط ولكنها كانت كافية لتعليمه وتنشئته ودخوله مبكرا إلى عالم الكبار، هو أمير مـن بيت عظيم، أمجاد وتاريخ ودعوات إصلاحية وانتصارات ولكنه الآن يرى صراعا يحاصر البيت السعودي، وبدأ مع أسرته مرحلـة الشـتات فخـرج مـن الـريـاض ولكنـه اخـتـزن التجربة المريرة ووعى دروسها وأدرك أن العـودة للوطن واستعادة الحكـم هـو البـديل الوحيد المتاح للحياة بشرف بين القبائل العربية فإما عـودة منتصـرة أو حيـاة لا ترضـاها نفسه الأبية.

استفاد من كل موقف مر به فأقام لدى بني مرة فزودته بمعارف وخبرات جديدة، شارك في الحرب، وفي وفود ومهام عديدة للوساطة ولكنه لم يكـن قـد عـاش في حيـاة البداوة وخبر عن قرب عاداتهم وتقاليدهم فاحتك احتكاكا حقيقيا وتعلم خبرات عملية في التعامل مع البدو ومعرفة الصحراء ودروبها ووهادها فأتقن اقتفاء الأثر ومتابعة الخطو على الرمال وأتقن سياسة الإبل والصبر على الجوع والعطش كما اكتسب صلابة العـود وشدة البأس والثقة بالذات والاعتماد على النفس والهمة والجرأة والإقدام.

ومن هنا عرف مفاتيح الشخصية ومنظومـة القـيـم فـوعى قيم العدالة والمساواة والاعتزاز بالنفس لدى البدوي وعرف متى يكـون العفـو ومتى يجب العقـاب وكيـف تستمال النفس فتتقى الشرور وتؤلف القلوب فاجتمعت له راية البدو التي قلما تجتمع على زعيم واحد من قبل فقادهم وساسهم.

عشر سنوات أقامها الفتى عبد العزيز في الكويت أتاحت لـه مـزيـدا مـن المعـارف والخبرات بالخليج والأوضاع الإقليمية والدولية لكنها كانت سنوات أليمـة على نفسية أمير شاب يملك القوة والشرعية ولا ينقصه الطموح والعزم على العمل إلا أن الظروف من حوله لا تمكنه من الانطلاق لاستعادة ملكه وملك أجداده، كيف هذا؟

انصرف عن أبناء البيت السعودي ذاته وعاش هو وعشيرته وأهله في بيت صغير من طابق واحد وحجرات ثلاث ضاقت بمن فيها وهم الذين طـالموا عاشوا في رحيـب مـن القصور ورأى شظف العيش وقسوة الحاجة في صراع مع كبرياء وعزة نفـس أبيـه، وقـد عجز أبوه عن تدبير معاشه هو وأهله.

كل هذا لم يـوهن عزيمـة الفتى عبـد العزيز وإصراره علـى إعـادة حكـم آبائـه واستكمال رسالتهم وحينما كان في منفاه بالكـويـت كـان كـثيرا مـا يـرى شـارد الذهن وعندما كان أصدقاؤه يسألونه عن سبب ذلك فكان يقول إنه يتأمل نفسه وقد حكم نجد شرقا وغربا وهو في ذلك الحين لا يملك إلا عصاه.

ویری ببصيرته من دروس عملية للقوى الدولية والصراعات التي بينهـا أن القـوة الذاتية السبيل الوحيد لمقاومة هذه القوى ولتحقيق مشروعه فلم ييأس أو يعجز عـن العمل بل بدأ الطريق وقرر الاقتحام للرياض واستعادتها ويشفق عليه الأب ولكنهـا العزيمة المتقدة التي لا تكل ويذهب وجمع من خلصائه ويستعير بعـيـرا هـزيلا ليخـرج بـه ولكن يعود وحده ماشيا على قدميه… حسنا محاولة أولى فاشلة.

ولكنها كانت تجربة زادته إيمانا وتصميما على النجاح في المرة الثانية.

وفشل مع ألف من الرجال.
ثم مرة أخرى ومعه (٤٠) رجلاً فقط.

كيف هذا؟ كان لديه دافع عميق، كان للفتي عبد العزيز عمة تقـول لـه: «عليـك أن عظمة بيت آل سعود ولكني أريدك أن تعلم يا عزيز أنه حتى عظمة بيت سعود يجب ألا تكون غاية مساعيك، إن عليك أن تجاهـد لعظمـة الإسلام وإن قومـك لـفـي أمـس الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي الكريم وإنك ستكون ذلك القائد» ويقول الفتى عبد العزيز: «لقد بقيت كلماتها هذه ولا تزال في قلبي دائماه.

محاولات فاشلة أو ناجحة في ظل إشفاق من الأب، وقلة في الموارد، وأعـداء تملكـوا الرقاب والعباد، ولكن كان الرد هو: «أي والدي إنك لن تراني بعد الآن إلا منتصرا أو أنك لن تراني أبدا .

كسرة الأصابع، انفجار من إحدى المتفجرات في يده…

حتى تم تحرير الرياض والوصول لها والجلوس على حكمها، فعاد الأب والأهل من الشتات إلى الوطن، وتم مبايعة الفتى أميرا على نجد واحتفظ الأب بلقب الإمام، وظـل الابن قائدا للجيش والحكومة.

لم يقف الأمر على هذا فمازال الوقت طويل والجزيرة العربية واسعة والأحقاد المحلية والتربيطات الدولية مختلفة، ولابد من الانطلاق لضم كل الحجاز لتوحيد الجزيرة العربية وبناء دولة قوية، سنون طويلة وجهود مضنية لم تقـف يـومـا عنـد حـد خيانة أو تمـرد أو صراع ممن حوله من القوى المحيطة سواء من دول عربية أو أجنبية حتى تم لـه مـا أراد، وليبدأ مرحلة جديدة، مرحلة بناء الدولة.

بدأ الملك الشاب يبني الدولة على مرتكزات هي:

  • * الإسلام، حيث إعـادة المسلمين إلى دورهـم اللائق بهـم في مسيرة الإنسانية، الإسلام الإيجابي وليس إسلام المتصوفة والـدراويش، مع الأخذ بالمدنية، ومواجهـة المسلمين بعيوبهم.
  • * العروبة المتحدة بالإسلام، حيث الأخلاق والقيم والثقافة والأصل بدون تعصـب أو استعلاء، وحيث الوحـدة العربيـة مـن الخليج للمحيط، واهتم بمحـور القاهرة – الرياض- دمشق، وأوصى أولاده بذلك فقـد كـان يرى أن الدول الثلاث ، هي محاور الارتكاز والفعل المؤثر في السياسية العربية مع عدم تهميش باقي الدول العربية، ولكـن الدول الثلاث هي بحكم الجغرافيا والتاريخ والبشـر والموارد والإمكانـات قـادرة على تكوين طوق حديدي حول إسرائيل.
  • الاعتماد على الذات بالإخلاص والتفاني في العمل والبساطة والزهد في الدنيا في ضوء تعاليم الإسلام وقيم الثقافة العربية مع عدم الاعتماد على أي قوة خارجيـة لـدعم حكمه أو دخول حرب لصالح جهة عالمية أخرى.
  • إخضاع القبائل لسياسة الدولة، والقضاء على العصبيات والولاء المتقلب، وكـره البدو للتحضر، وبدأت سلطة الدولة وتحديث المجتمع وتذويب الفروق القبلية وتغيير المستقر من الأعراف البالية، فاستوعب الأحقاد والصراعات وسلبيات النظام البدوي.
  • التحديث المستمر، حيث التطور العلمي والتعليمي، والسعي بتطوير المواصلات وأدوات الاتصال الحديثة كالهاتف والراديو والسيارات والمواصلات وتكنولوجيا الزراعة والجيش وتحمل في سبيل ذلك الكثير، فكان أن مكث عشر سنوات يقنع من حوله بفائدة إدخال شبكات التليفون واستخدامه وهم يرونه رجسا من عمل الشيطان، وكان كلما مد خطا أو ثبت للهاتف سلكا أزالوه أو قطعوه، حتى أسلاك قصـره حيـث يقـيـم وكـذلك فعلوا بالدراجة فأطلقوا عليها حصان إبليس وأن الذي يسيرها السحر أو نفثات إبليس.

أما السيارة فكانت عربة الشيطان والساعة تهمس بنبضات الجن.

إلى غير ذلك الكثير والكثير وهو يتحمل بحكمة ولين وسياسة مع مراعاته للظـروف السياسية في عصره.

كان رجلا يدرك ما يريده.
تحقق ما أراد بتعب وكلل ولكن بدون يأس أو إحباط.
وبنى دولة- قارة- جديدة على أسس حديثة.
جاء بالثورة إلى الدولة.
فكان رجل نجدة من نجد.

Comments are closed.