Take a fresh look at your lifestyle.

أرطبون العرب عمرو بن العاص

451

معنى أرطبون

أرطبون اسم مقلوب عن الأطربون سمت به العرب قائدا روميا على وجه الاختصاص، قيل له أرتيون (Aretion). وقد لقب عمر بن الخطاب الصحابي عمرو بن العاص بِأرطبون العرب لِشدة دهائِه وعبقريته.

أقوال مأثورة

( أسلم الناس وآمن عمرو ب العاص )
“محمد (ص)”
( لقد رمينا ارطبون الروم بارطبون العرب )
“عمر بن الخطاب”
(والله يا مسيلمة إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب)
“عمرو بن العاص”

أرطبون العرب عمرو بن العاص
أرطبون العرب عمرو بن العاص

نظرة سابقة

كنت صبيا يافعا في الصف التاسع في إحدى مدارس مدينة رفح الفلسطينية ، يومها وقفت أمام أستاذي وقلت له والغيظ يملؤني : لماذا نضيع الوقت بدراسة قصة رجل بهذه الصفات ؟ !

كان قلبي يومها مشبعا بالغضب وأنا اقرأ قصة ذلك الرجل الذي طفحت کتب المناهج الدراسية بحكايات غدره وخيانته ، ففشلت كل محاولات أستاذي لتغيير قناعاتي تلك عن ذلك الرجل ، وبزت ، وكبر معي طعني بذلك الرجل ، غير أنني أحمد الله عز وجل الذي ألهم بصيرتي وأمد في عمري حتى جاء اليوم الذي أكفر به عن خطيئتي تلك الأكتب عن رجل من أشرف الناس وأصدق الناس وأعظم الناس :

“لقد جاء الوقت يا ابن العاص كي أطلب منك العفو بهذه الكلمات القليلة ، سائلا المولى عز وجل أن لا يخزني يوم القيامة أمامك يا أبا عبد الله ، وأن يجمعني بك في حضرة صاحبك ، محمد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه”

الغزو التاريخي

الحقيقة أن ذلك الظن السوء بعمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه لم يكن نابعا من فراغ ، فلقد كنت وقتها ضحية من ضحايا ما أحب أن أطلق عليه نظرية الغزو التاريخي ، هذا الغزو ليس غزوا بالدبابات أو الطائرات أو حتى بالأفكار كالغزو الثقافي ، بل هو أخطر من ذلك بكثير .

الغزو التاريخي لا يحارب الواقع فقط ، وإنما يحارب الماضي الذي بني عليه الحاضر ، ونظرية الغزو التاريخي تتلخص بأن يدمر الغزاة أسباب وجودنا أصلا على ساحة التاريخ ، وذلك بالتشكيك والطعن برموز الأمة ، فينتج عن ذلك بالضرورة تشكيك بالروايات التي نقلها لنا رموزنا أو التي نقلت عنهم بالأساس .

قبل أن يقوم الغزاة بتسليط الضوء على مراحل الضعف التي مرت بها الأمة أو حتى اختلاق قصص وهمية تشوه صورة تاريخنا في أعيننا ، ليقوم أولئك الخبثاء بتحويل أبطالنا إلى قتلة قذرين وعلمائنا إلى أشخاص مجانين وفي أحسن الأحوال إلى شطبهم جميعا من ذاكرة التاريخ نهائيا !

أبطال حقيقية

في نفس الوقت يقوم نفس الغزاة بتمجيد أبطال وهميين في تاريخهم أو حتى في تاريخنا ، فيتحول ( عمرو بن العاص ) صاحب رسول الله إلى مجرم حرب بينما يتحول المجرم ( نابليون بونابرت ) إلى فاتح عظیم تخلده كتبنا الدراسية .

ويصبح ( عباس بن فرناس ) مخترع الطيران عالما مجنونا بينما يمجد ( آینشتاین ) صاحب مشروع القنبلة النووية التي قتلت مئات الآلاف من الأبرياء ، وفي أفضل الحالات يعمل نفس الغزاة بالعمل على محو اسم بطل حقيقي قلما رأت الأرض مثله كالبطل ( أحمد بن فضلان ) – ويوضع مكانه اسم بطل خرافي مثل ( السندباد ) أو ( علاء الدين ) أو حتى ( علي بابا ) .

فلا يتبقى لنا بذلك في تاريخنا الممتد إلا قادة مجرمين ، أو علماء مجانين ، أو أبطالا وهميين لم يصبحوا أبطالا إلا بمصابيح سحرية أو بسط طائرة ! وبهذا لا يبق لك إذا كنت مسلما وأردت أن تصبح بطلا إلا أن تشد الرحال إلى قفار الصحراء القاحلة أو غياهب الكهوف المظلمة علك تجد مصباح علاء الدين الذي من خلاله – ومن خلاله فقط – يمكن لك أن تصبح بطلا و مسلما في آن واحد .

سبب اختیار عمرو بن العاص

وبعد أن يزرع فيك الغزاة هذا الاعتقاد الخطير ، فإن مفهوم القدوة يسقط من عينيك من دون أن تحس أنت بذلك ، وعندها وبكل سهولة ….. نسقط أنا وأنت كالثمار العفنة ! و عمرو بن العاص هو أحد الذين شوهت صورتهم بشكل كبير ، بل إني أزعم أن هذا الرجل هو ثاني أكثر رجل شوهت صورته من قبل غزاة التاريخ .

أما عن سبب اختیار عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه بالذات لتكال له كل تلك التهم والشبهات ، فيكمن في كون عمرو بن العاص هو الفاتح الفعلي للقدس أهم مدينة عند غزاة التاريخ ، قبل أن يضيف إليها أرض مصر ، هذا البلد المهم الذي يكون مع أرض الشام المباركة الدعامتين الأساسيتين للإسلام عبر التاريخ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ،

هذه الأسباب تبين بشكل لا يدعو للشك هوية المشوهين التاريخ هذا الرجل ، إنهم الصليبيون ، وإن كانت الأدوات في الغالب هي بعض المثقفين العرب مدفوعي الأجر ، وطبعا لا ننسى الأداة الرخيصة التي سنراها تتكرر في هذا الكتاب بشكل غريب وعجيب في كل الخيانات القذرة التي تعرضت لها أمة الإسلام من الأندلس إلى الهند … الشيعة الروافض .

رواية التحكيم الشهيرة

ولعل رواية التحكيم الشهيرة التي تتكرر في مناهجنا المهترئة ، هي من أهم أسباب طعني القديم في هذا البطل الإسلامي العظيم ، وتزعم هذه الرواية أن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قد انتدبا أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ليتباحثا في شأن الصلح ، فاتفق الاثنان على خلع علي ومعاوية ، فقال أبو موسى أمام الناس إني أخلع عليا كما أخلع هذا الخاتم ، وعندها قام عمرو بن العاص بخيانة أبي موسى وقال إني أثبت معاوية كما ألبس هذا الخاتم في إصبعي ، ثم قام الأول بنعت الثاني بالكلب ، فقام الثاني بنعت الأول بالحمار … انتهت الرواية !

أقول أنا : إن هذه الرواية وإن كانت قد وردت بالفعل في أهم كتاب للتاريخ الإسلامي تاريخ الطبري ، إلا أن هذه الرواية لا تصح سندا ولا متنا ، والسند هو التسلسل البشري للرواة من الراوي الأول وحتى الراوي الذي كتب الرواية ، أما المتن فهو القصة نفسها ، والحقيقة أن الطبري رحمه الله أكد في بداية كتابه أنه لم يدون في كتابه الروايات الصحيحة فقط ، بل قام بتدوين كل الروايات ، الصحيحة منها والمكذوبة ، تارگا مهمة تصحيحها لفرسان التاريخ من بعده ، غير أن الطبري جزاه الله كل خير قام بتدوین سند كل رواية بكل دقة ، ورواية التحكيم تلك بها راو يسمى بأبي مخنف لوط بن يحيي ، وأبو مخنف هذا شيعي رافضي كذاب طعن به كل الرواة فقال عنه ابن عساكر : رافضي ليس بثقة ، وقال عنه ابن حجر : إخباري تالف لا يوثق به ، ووصفه ابن معین بقوله : ليس بشيء كذاب ساقط ! إذا فالرواية لا تصح أبدا من ناحية السند .

أما متن الرواية فقد صيغ بطريقة غبية تبين حماقة واضعها ، فمعاوية لم يكن خليفة أصلا لكي يعزله عمرو ! بل إن موضوع الخلافة لم يكن في الحسبان أساسا في صراع علي ومعاوية ها ، وإنما كان الخلاف بينهما على كيفية الثأر لابن عم معاوية عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه من المنافقين الذين قتلوه غدرا ، فكان علي يرى أن الوقت لم يكن مناسبا القتل أولئك الخونة في الحين واللحظة ، بينما كان معاوية يرى أنه يجب القضاء على جیش الخونة في العراق ، ثم إن هذه الرواية الحمقاء لا تحتاج لأكثر من إدراك طفل تخرج قريبا من الحضانة ليعرف أن سب الآخرين ونعتهم بالكلب والحمار لا يصدر إلا من أطفال قليلي الأدب خرجوا من بيت تنعدم فيه الأخلاق ، وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص صحابیان جلیلان خرجا من بيت أعظم مرب في التاريخ ، خرجا من بيت محمد بن عبد الله .

الرواية الكاذبة

أما الرواية الكاذبة الأخرى فهي رواية : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) . والتي يرددها كثير منا مفتخرا بعدل عمر بن الخطاب لو ! هذه الرواية رواية باطلة ، وأكررها بملء فمي ، هذه رواية باطلة سندا ومتتا ، ليس لأن عمر بن الخطاب كان ظالما يستعبد الناس ، بل لأن هذه الرواية تقصد الإساءة لعمرو بن العاص أكثر من مدح عمر بن الخطاب ، فهذه الرواية تزعم أن ابئا لعمرو ابن العاص ضرب أحد المصريين ، فشکاه ذلك المصري للخليفة عمر بن الخطاب ، فقام عمر بمعاقبة عمرو بن ا ن العاص وابنه معا ثم قال لعمرو : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ انتهت هذه الرواية الخبيثة .

أقول أنا : هذه القصة منقطعة السند وسندها واو ، ويظهر هذا الانقطاع في السند حيث ذكرها ابن عبد الحكم في افتوح مصر » ص 290 بقوله : ( دنا ) بصيغة المبني للمجهول ، وهذا ما ينسف هذه الرواية الكاذبة نسقا ، ثم إن متن هذه الرواية لا يقل غباء عن الرواية السابقة ، فمنذ متى كان عمر يأخذ الحق من والد المخطئ وهو يعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ؟! إذا هذه رواية باطلة قد منها تشويه صورة عمرو بن العاص وأبنائه بالتحديد ، وذلك لأن ابئا من أبناء عمرو يدعى عبد الله بن عمرو بن العاص کان أول من کتب احادیث رسول الله ودون سنته ، فإذا زرع غزاة التاريخ مثل هذه الروايات عن أبناء عمرو بن العاص ، سقطت إذا السنة وسقط الإسلام بعدها ؟

ولكن ما الذي جعل رسول الله يقول أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص ؟ وما سر هذا الإيمان العميق الذي امتلأ به قلب بطلنا العظيم من لحظة إسلامه الأولى ؟ ومن هو ذلك الرجل الغامض الذي أسلم على يديه عمرو بن العاص ؟ وكيف خرج هذا الرجل من أدغال أفريقيا لينسج خيوط علاقة روحانية أشبه بالخيال بينه وبين رسول الله على الرغم من أنهما لم يتقابلا أبدا وجها لوجه ؟!

Comments are closed.